الراعي: وطننا لا يحتاج فقط إلى خطابات بل إلى كلمات تُعاش
الرئيسية سياسة / Ecco Watan
الكاتب : المحرر السياسي
Dec 28 25|13:01PM :نشر بتاريخ
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وسيمون فضول، أمين سر البطريرك الأب كميليو مخايل، أمين سر البطريركية الأب فادي تابت، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور رئيس اللجنة الأولمبية الدكتور بيار الجلخ، قنصل سوريا الفخري في بوركينا_فاسو جورج رستم، البروفسور ألكسندر الجلخ، رجل الأعمال فارس رستم، وفد من أبناء الجالية في افريقيا، رئيس مؤسسة البطريرك صفير الإجتماعية الدكتور الياس صفير، الهيئة الادارية لرابطة سيدة ايليج برئاسة فادي الشاماتي، نجل الشهيدين صبحي ونديمة الفخري باتريك، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الإنجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان: "الكلمة صار بشرًا" (يو 14:1)، قال فيها: " افتتح القديس يوحنا إنجيله بإعلان لاهوتيّ عميق يضعنا مباشرة أمام سرّ الإيمان المسيحي: سرّ التجسّد. فالله لم يكتفِ بأن يتكلّم، بل صار كلامه شخصًا، وصار كلمته جسدًا، ودخل بها إلى تاريخ البشر. «في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله… والكلمة صار بشرًا وسكن بيننا» (يو 1: 1؛ 14). بالتجسّد صار الله إنسانًا، عاش بين الناس، لمس آلامهم، حمل ضعفهم، وسار في طرقاتهم. الكلمة الأزليّة التي بها خُلِق كل شيء، دخلت الزمن، وصارت خاضعة للوقت، وللنمو، وللألم، وللموت. وهنا تتجلّى عظمة مريم. فهي قبلت الكلمة أولًا بالإيمان قبل أن تقبلها في الجسد. آمنت قبل أن تحبل، وقالت نعم قبل أن تتجسّد في أحشائها. فالكلمة لم تدخل أحشاءها قسرًا، بل دخلت بحرّية حبّ، وبطاعة إيمان. هكذا تحوّلت الكلمة الإلهيّة في حشاها إلى جنين، ومن الجنين إلى طفل، ومن الطفل إلى مخلّص العالم. جمال المؤمن الحقيقي أنّه لا يكتفي بسماع كلمة الله، بل يجعلها جسدًا في سلوكه، في خياراته، في محبّته، وفي مسؤوليته. نحن، على مثال مريم، مدعوّون أن نجسّد الكلمة، لا في أحشائنا، بل في حياتنا".
وتابع: "يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا للاحتفال معًا بهذه الليتورجيا الإلهية في أحد الكلمة، مع ترحيب بالوفد من أبرشيّتنا المارونية "سيدة البشارة" في إيبادان لأفريقيا الشمالية والوسطى مع الزيارة الرسولية في أفريقيا الجنوب، وعلى رأس الوفد سيادة أخينا المطران سيمون فضول. نتمنّى لهم طيب الإقامة. كما نحيي مسؤولي وأعضاء فرق السيدة، Dame Equipe Notre - منطقة لبنان التي تضمّ الأردن، الخليج وقطر. إنّنا نلتقي معًا حول كلمة الحياة، بعد أن عشنا فرح الميلاد، لنغوص بشكل أعمق في سرّ معناه. ليكن هذا اللقاء زمن نعمة، وتجديد إيمان، والتزامًا حيًّا بكلمة الله التي صارت بشرًا من أجلنا. وكما قبلت مريم الكلمة في ذاتها، تدعونا الكنيسة أن نقبلها نحن أيضًا، لا كفكرة دينيّة، بل كأسلوب حياة. الكلمة التي صارت جسدًا في مريم، تريد أن تصير رحمة فينا، وعدلًا في قراراتنا، وصدقًا في كلامنا، وأمانة في التزامنا. هكذا يصبح الميلاد مستمرًا، ويتحوّل الإيمان من طقس إلى شهادة حياة. هكذا نعيش الميلاد زمنًا متواصلًا مع كل أفراحه الروحية والإنسانية. في الليتورجيا، تُقرأ الكلمة، لكن الهدف ليس القراءة فقط، بل التحوّل. فالكنيسة لا تريد مؤمنين يحفظون النصوص، بل مؤمنين يُحوّلون النص إلى حياة".
وقال: "في هذا الزمن، نتعلّم أنّ الميلاد لا ينتهي في الخامس والعشرين من كانون الأول، بل يبدأ حين نقبل الكلمة في ذواتنا، وحين نسمح لها أن تغيّرنا من الداخل. فكما قبلت مريم الكلمة في ذاتها، نحن مدعوون أن نقبلها في قلوبنا، وبيوتنا، وفي علاقاتنا، وخياراتنا. إنجيل اليوم هو إنجيل التدبير الإلهي: الله يخلّص العالم لا بالقوّة، بل بالكلمة؛ لا بالعنف، بل بالمحبّة؛ لا بالفرض، بل بالتجسّد. إنجيل التجسّد يعلّمنا قوّة الكلمة. فالكلمة الإلهيّة خلقت، وخلّصت، وغيّرت مسار التاريخ. والكلمة البشريّة، حين تكون صادقة ومسؤولة، تستطيع أن تبني، وأن تشفي، وأن تجمع. أمّا حين تُفرَّغ من الحقيقة، وتُستَعمل للتضليل أو التحريض، فإنّها تهدم وتُقسِّم. لبنان اليوم بحاجة إلى كلمة تتجسّد: كلمة حقّ تتحوّل فعلًا، كلمة مصالحة تتحوّل قرارًا، وكلمة وعد تتحوّل التزامًا. وطننا لا يحتاج فقط إلى خطابات، بل إلى كلمات تُعاش، تُترجم سياسات عادلة، وخيارات وطنيّة صادقة. إنجيل التجسّد يمكن أن يُقرأ كدعوة وطنيّة: إلى أن نُنزِل المبادئ إلى أرض الواقع، وأن تتحوّل القيم إلى مؤسّسات، وأن يصبح الكلام مسؤولية. بكلمة صادقة يمكن أن يبدأ خلاص وطن، وبكلمة جامعة يمكن أن يُبنى وطن يجمع الكل، لا يُقصي أحدًا، بل يحمي كرامة الجميع".
وختم الراعي: "نرفع اليوم صلاتنا، طالبين أن يزرع الله كلمته في قلوبنا، وأن يجعلنا شهودًا للكلمة لا مجرّد سامعين لها. نصلّي من أجل وطننا لبنان، لكي تُشفى كلمته، وتُعاد إليه لغة الحقّ والعدالة والسلام. نصلّي من أجل كل إنسان متألّم، قلق، أو فاقد الرجاء، لكي يجد في كلمة الله حياة جديدة. نصلّي من أجل عائلاتنا، وشبابنا، وكل من يبحث عن معنى لحياته، أن يكتشف أن الكلمة المتجسّدة لا تزال تسكن بيننا وفينا. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".
بعد القداس استقبل البطريرك الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية الذين قدموا التهاني بالأعياد المجيدة.
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا