جعجع في قداس "شهداء المقاومة": لا أحد يريد حرباً أهلية وسلاح "حزب الله" يهدّد الشيعة
الرئيسية سياسة / Ecco Watan
الكاتب : المحرر السياسي
Sep 07 25|21:24PM :نشر بتاريخ
شدد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع على أن "سلاح حزب الله غير الشرعي لا يحمي الشّيعة، وإنّما يحتمي بهم ولا يؤمّن مصالحهم بل يغرقهم في مخاطر وحروب وجوديّة، باعتبار انه لم يكن يومًا ضمانةً لهم أو مرتبط بكرامتهم وشرفهم وأن المعادلة التي تدّعي بأن تسليم السلاح سيؤدي الى إضعاف الطائفة الشيعة وانتهائها هراء وافتراء، فعمر الشّيعة في لبنان ضارب في التّاريخ، وعزّتهم وأمنهم وكرامتهم من عزّة لبنان وأمنه وكرامته".
وطمأن جعجع أبناء هذه الطائفة الى أن "أكثريّة اللّبنانيّين، لا ترضى أن يصيبكم ما أصابنا في حقبة الوصاية السّابقة بعد أن سلّمنا سلاحنا، فالأيّام اختلفت والظّروف تغيّرت، لا غازي كنعان ولا رستم غزالة، ولا سلطة وصاية جائرة تعمل لصالح نظام الأسد ووفْق مفاهيمه، بل سلطة وطنيّة انبثقت من مجلس نيابيّ حقيقيّ، ساهمنا جميعًا، أنتم ونحن، في انتخاب أعضائه، وتحت أنظار حكومة كنتم أكثريّةً فيها".
واكد ان "لا حرب أهليّة في لبنان ولا أحد يريدها، وإن أردتموها حربًا من طرف واحد فافعلوا، ولكن اعلموا أنّ مشكلتكم ليست مع أيّ طائفة أو فريق أو حزب، بل مع الدّولة وحكومتها وجيشها ومؤسّساتها وداعميها ومع غالبية ساحقة من الشّعب اللّبنانيّ". وكشف أن "القوات اللبنانية" متمسكة باجراء الإستحقاق النيابي في موعده المحدد، من دون التفكير أو التوجّه إلى التّمديد تحت أيّ ظرف أو ذريعة.
هذه المواقف أطلقها جعجع عقب القداس الاحتفالي في ذكرى "شهداء المقاومة اللبنانيّة"، في معراب، تحت عنوان "نجرؤ ليبقى لبنان" الذي نظّمته "القوات اللبنانية"، برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ممثّلا بالنائب البطريركي على منطقة جونيه المطران يوحنا رفيق الورشا. وشارك كاثوليكوس بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس البطريرك آرام الأول كيشيشيان ممثلا بالأرشمندريت سركيس أبراهاميان، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي ممثّلا برئيس الإكليريكية البطريركية في رياق الأب الياس إبراهيم بطريرك الأرمن الكاثوليك روفائيل بدروس الحادي والعشرين ميناسيان ممثّلا بالأب رافي أوهانسيان، بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان ممثّلا بالأب طارق خياط، كما شارك في القداس مطران جبل لبنان للسريان الأرثوذكس ميخائيل شمعون، المطران غي بولس نجيم، الأباتي بيار نجم ممثلا الرئيس العام للرهبانية المريمية المارونية، المدبر العام طوني فخري ممثلا الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية، المدبر العام بشارة إيليا ممثلا الرئيس العام للرهبانية الأنطونية المارونية، المشير العام الأب غسان مطر ممثلا الأب العام لجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة، الرئيس الإقليمي لرهبانية المخيتاريست المطران مسروب سالاهيان، الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب المدبر يوسف نصر، راعي أبرشية صيدا وصور ومرجعيون للروم الأرثوذكس ممثلا بالأب جوزف الخوري، راعي أبرشية صور للروم الكاثوليك ممثّلا بالأب جورج وهبة، راعي أبرشية صيدا للروم الكاثوليك ممثّلا بالأب وليد الديك، راعي أبرشية انطلياس المارونية ممثّلا بالمونسنيور إيلي خوري، راعي أبرشية صربا المارونية ممثّلا بالأب إيلي أبراهام، وأكثر من 100 خورأسقف وراهب وكاهن.
وحضر القداس، الى جانب رئيس الحزب وعقيلته النائب ستريدا جعجع، النائب نديم الجميّل ممثّلا الرئيس أمين الجميّل ورئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميل، الوزير السابق نقولا نحاس ممثلا الرئيس نجيب ميقاتي، وزراء: الخارجية يوسف رجي، العدل عادل نصار، الصناعة جو عيسى الخوري، الإعلام بول مرقص، السياحة لورا الخازن ووزير المهجرين والدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات والذكاء الإصطناعي كمال شحادة، الداخلية احمد الحجار ممثلا بالعميد سامي ناصيف، النائب مروان حمادة ممثلا الرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط والرئيس الحالي النائب تيمور جنبلاط وكتلة "اللقاء الديمقراطي"، رئيس حزب "الوطنيين الأحرار" النائب كميل شمعون، رئيس حزب "سند" النائب أشرف ريفي، رئيس حزب "الحوار" النائب فؤاد مخزومي، رئيس "حركة الاستقلال" النائب ميشال معوض، النواب: أغوب بقرادونيان، نعمة افرام، احمد الخير، ميشال الدويهي، جميل عبود، ملحم خلف، راجي السعد، الياس حنكش، غسان سكاف، ونواب تكتل "الجمهورية القوية": جورج عدوان، غسان حاصباني، انطوان حبشي، جورج عقيص، زياد الحواط، شوقي الدكاش، ملحم رياشي، فادي كرم، غياث يزبك، غادة أيوب، الياس اسطفان، نزيه متى، ايلي خوري، جهاد بقرادوني، رازي الحاج وسعيد الأسمر. كما شارك الوزراء السابقون: ابراهيم النجار، محمد رحال، آلان حكيم، ايلي ماروني، مي شدياق، ريشار قيومجيان، جو سركيس، سليم وردة وطوني كرم، النواب السابقون: منصور البون، هادي حبيش، محمود عوّاد، قيصر معوّض، عثمان علم الدين، محمد رحّال، باسم الشاب، جواد بولس، انطوان بو خاطر، ايلي كيروز، وهبي قاطيشا، إدي ابي اللمع، جوزيف اسحق، فادي سعد، عماد واكيم ورامي فنج، رئيس حزب "الإتحاد السّرياني" ابراهيم مراد، رئيس "الرابطة المارونية" مارون الحلو والمحامي مجد بطرس حرب، فضلا عن اعضاء الهيئة التنفيذية والمجلس المركزي، الامين العام والامناء المساعدون ورؤساء المصالح والمناطق، الى جانب فاعليات سياسية وديبلوماسية ودينية وامنية ونقابية ومجالس بلدية واختيارية وشخصيات اقتصادية واجتماعية وتربوية وثقافية وفنية واعلامية وحزبية، بالاضافة الى أهالي الشهداء وحشد من القواتيين.
وعقب الذبيحة الإلهية، تلا رئيس مكتب التواصل مع المرجعيات الروحية أنطوان مراد كتاباً مُرسلاً من رئاسة الجمهورية الى رئيس حزب "القوات اللبنانية"، جاء فيه: "تلقى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون واللبنانية الأولى السيدة نعمت عون دعوتكم للمشاركة في الذبيحة الإلهية لراحة أنفس شهداء المقاومة اللبنانية، وذلك يوم الأحد الواقع فيه 7 أيلول 2025 في باحة المقرّ العام للحزب في معراب. يَسرّنا في هذه المناسبة ان ننقل إليكم شكر السيد الرئيس واللبنانية الأولى على دعوتكم الكريمة، مع تقديرهما لتضحيات اللبنانيين من أجل وطنهم، لا سيما أولئك الذين قدّموا أرواحهم إيمانا بحرية وكرامة الإنسان، على ان تثمر هذه التضحيات مستقبلًا أفضل للدولة بكافة مؤسساتها. مع التمنيات بدوام التوفيق والتقدّم".
كلمة جعجع
واستهلّ جعجع كلمته بتوجيه التحية الى الشهداء الرفاق قائلاً: "عامًا بعد عام، ولعقود خلت، كنّا نلتقي وبالأخصّْ في هذا المكان بالذّات، حيث كنت أقول لكم دائمًا: ناموا قريري العين. أنا أعرف أنّكم، وحتّى عندما كنتم بيننا على هذه الأرض، ما كنتم تنامون، فكيف بالحريّ بعدما أصبحتم في العلياء، حيث أنتم. المقصود بقولنا ذلك لم يكن طبعًا أنْ تناموا، بل أنْ تكونوا مطمئنّين إلى أنّنا، نحن رفاقكم هنا، على العهد باقونْ، وحتّى تحقيق الأهْداف التي من أجلها استشهدتم، مستمرّون. البعض كان يعتبر هذا الكلام، خصوصًا في السّنوات الصّعبة، وقد كانت تقريبًا كلّها صعبةً، كلامًا من قبيـل رفع المعنويّات أو لأغراض خطابيّة. لكنّنا نلتقي اليوم، وقد تأكّد المؤكّد، أنّ هذا الكلام لم يكن، لا لأغراض خطابيّة ولا لرفع المعنويّات، بل لتوصيف واقع نضالنا كما هو بالتّمام، وللكلام عمّا نحن فاعلون بكلّ دقّة وأمانة وإخلاص".
وأضاف: "منذ خمسين عامًا تجرّأنا، وسقط منّا الشّهداء قوافل قوافل ليبقى لبنان، وبقي لبنان. خمسون عامًا، ونحن نناضل، نقاوم، نواجه، وندفع الأثمان الغالية في وجه احتلال من هنا ووصاية من هناك، وسلاح من هنا وترسـانات من هناك. لوحقنا، نكّل بنا، ركّبت بحقّنا الملفّات والاتّهامات والمحاكمات، منع وقمع، اعتقال واغتيال، وما تخلّينا عن ذرّة من قناعاتنا. بعد خمسين عامًا، تأكّد للقاصي والدّاني ما كنّا نردّده دومًا بأنّ دماءكم لم تذهب هدرًا، وبأنّ التّضحيات بالأرواح والدّمّ والعرق والسّهر، تثمر حتمًا وحكمًا. شهداؤنا الأبطال، لقد كنتم دائمًا معنا، في مختلف المفاصل والمحافل، في شتّى المواقف والقرارات، وكما خضتم المعارك العسكريّة بشرف وإخلاص فريد للقضيّة حتّى الشّهادة، خضنا وبوحي شهادتكم أعْتى المعارك الوطنيّة والسّياسيّة والانتخابيّة، وانتصرنا في محطّات معبّرة، وعلى غراركم، لم نكن نملك القدرات الكبيرة ولا الإمكانات الكافية، لكنّنا صمدنا وخضنا المواجهات، فعوّضنا بالإيمان والجرأة والشّجاعة والتّخطيط والإقدام، ما فاتنا بالعدّة والعديد. أجل، تجرّأنا حيث لم يجرؤ الآخرون ليبقى لبنان وتبقى لنا الحرّيّة والسّيادة، ونجرؤ اليوم وسنجرؤ دائمًا وأبدًا، لنبقى ونستمر في وطن عزيز، ودولة ناجزة السّيادة."
وتابع جعجع في رسالته الى الشهداء: "نلتقي اليوم لنقول لكم بالفم الملآن والرّأس المرفوع والضّمير المرتاح، بأنّنا كنّا بالفعل على قدر التّحدّي. لقد واجهنا ما لم يواجهه أحد، بدءًا باستشهادكم وانتهاء باستشهاد الياس الحصروني وباسكال سليمان وسليمان سركيس ورولان المرّ، وما بين ذلك من نضال، وتعب وكدّ وجدّ واضطهاد وسجن وملاحقات ومضايقات ومحاولات عزل وحصار لم تنته حتّى السّاعة. لكنّنا واجهنا دائمًا ببسالة وثبات، لم نحد لحظةً عن خطّنا التّاريخيّ، خطّ سيادة الدّولة اللّبنانيّة، خطّ القوّات اللّبنانيّة، خطّ حرّيّتنا التي لا تقبل أيّ مساس بها، وخطّ قناعاتنا كلّها. "المواجهة المستمرّة" كانت شعارنا كلّ يوم، وفي كلّ مناسبة وفي كلّ الظّروف، ومهما كان الثّمن، إلى أن دار التّاريخ دورته الكاملة وأثمرت مواجهاتنا المستمرّة انتصارات كاملةً في كلّ الاتّجاهات. إذا طمحتْ للحياة النّفوس فلا بدّ أنْ يستجيب القدرْ، ولقد طمحنا للحياة وواجهنا في سبيلها، ولقد استجاب القدر!".
وأردف: "ما ناضلنا واستشهدنا وتقطّعت أوصال البعض منّا في سبيله، قد تحقّق. أحلام خمسين عامًا تحقّقت كلّها دفعةً واحدة. من كان ليقول! كنّا نناضل بنور التزامنا وإيماننا فقط لا غير، من دون أيِّ موازين قوى لصالحنا، حتّى من دون أيّ أفق، أو من دون أن نرى بصيص أمل في نهاية النّفق. كنّا نقاتل ونناضل ونواجه ببصيص نور إيماننا وثقتنا بالله وبأنفسنا فحسب. ناضلنا من أعماق السّجون تحت سابع أرض، استمرّرنا في أصقاع الدّنيا الأربعة، صمدنا في كلّ زاوية من زوايا لبنان المعتمة بعيدًا من أعين سلطة الوصاية وعلى الرّغم من بطشها. كم قيل لنا: أنتم مستمرّون على أيّ أساس؟ وعلام أنتم متّكلون؟ كلّ المعطيات تشير إلى أنّكم خاسرون ولا أمل لكم في شيء بتاتاً. المعادلة الدّاخليّة ضدّكم، والمعادلة الإقليميّة بوجود سوريا الأسد تطلب رأسكم، والمعادلة الدّوليّة غائبة. ودار التّاريخ دورته الكاملة وأثبت لـلجميع من دون استثناء، أنّنا، وبعدما كنّا الأخيرين في تصنيف الأخصام، أصبحنا الأوّلين باعتراف الجميع، وأنّ الحجارة التي رذلها بنّاؤو السّياسة الرّخيصة في لبنان، ورموا بها في السّجون، وبعثروها في أصقاع الدّنيا الأربعة وغياهب النّسيان، قد أصبحت حجارة الأساس التي يقوم عليها البناء كلّه ولبنان الغد. العبرة من كلّ هذا: مهما حاول المحاولون، ومهما كثر الشّرّ، ومهما طغى السّوء فإنّه في نهاية المطاف لن يصحّ إلّا الصّحيح، ولن تكون إلّا مشيئته، كما في السّماء كذلك على الأرض."
وتوجه الى اللبنانيين بالقول: "خمسة وثلاثون عامًا بالتمام والكمال من حياتنا الوطنيّة والمجتمعيّة والشّخصيّة أضاعوها علينا، خمسة وثلاثون عامًا من الأحلام المنكسرة والفرص الضّائعة، خمسة وثلاثون عامًا من العذابات والآفاق المسدودة والشّابّات والشّبّان الذين اضطرّوا إلى الانسلاخ عن أهلهم، خمسة وثلاثون عامًا من العائلات الممزّقة، والقرى النّازفة والوطن الجريح، خمسة وثلاثون عامًا تركت تقريبًا في قلب كلّ لبنانيّ ولبنانيّة قصّةً مؤلمة موجعة عن وطن منشود لم يوجد، عن قانون لم يطبّق، عن لقمة عيش سرقتها جماعة الأسد والممانعة وحلفاؤهم من اللّصوص المحلّيّين من أفواه أطفالنا واستمرّوا في سرقتها بعد خروج الأسد من لبنان وحتّى البارحة. نحن لا نتطرّق إلى هذا الموضوع للبكاء على الأطلال، بل لإتخاذ العبر ووضع حدّ نهائيّ للسّنوات الضّائعة والانطلاق نحو المستقبل. لن نقبل بعد الآن إلّا أن يكون القرار لبنانيًّا مئة بالمئة، كما نرفض أيّ قرار، مهما صغر أو كبر، خارج إطار المؤسّسات الدّستوريّة: رئاسة الجمهوريّة، المجلس النّيابيّ، ومجلس الوزراء. لن نقبل بتجيير للمصلحة اللّبنانيّة العليا لأيّ من المصالح الأخرى مهما سمت ومهما كان اسمها. فالقضيّة اللّبنانيّة أوّلًا وأوّلًا وأوّلًا، وأخيرًا وأخيرًا وأخيرًا على كلّ ما عداها."
وتوقف جعجع عند أداء الموالين لـ"محور الممانعة"، قائلاً لهم: "لقد أمسكتم، وبقوّة السّلاح والإرهاب، برقاب اللّبنانيّين لسنوات طويلة ودمّرتم أحلامهم ومؤسّساتهم وأردتم فرض مشروعكم على حساب مشروع الدّولة. لقد ارتكبتم أخطاءً وخطايا فظيعة بحقّ لبنان وشعبه وبحقّ أنفسكم وبيئتكم، أخذتم لبنان رهينةً وصادرتم قرار الحرب والسّلم بعدما أمعنتم في تمزيق الدّولة وتحويلها إلى أشلاء وفي تقطيع أوصال لبنان وعلاقاته مع محيطه العربيّ والمجتمع الدّوليّ. ذهبتم إلى القتال في سوريا دفاعًا عن نظام مجرم، إلى حرب لا ناقة للبنان فيها ولا جمل، ولا تمتّ بصلة إلى مفاهيمه ودوره وتكوينه. تورّطتم في حرب إسناد وأخطأتم التّقدير وجلبتم النّار والدّمار والويلات والنّكبات. خسرتم الحرب التي كشفت عن ضعفكم وعن اختراقات واسعة في صفوفكم، ووافقتم على اتّفاق وقف إطلاق النّار مع علمكم أنّه تسليم واستسلام. وبعد كلّ ذلك، تكابرون وتنكرون الخسارة والواقع الجديد، وتتكبّرون على الدّولة وتتّهمونها هي بالتّخاذل وتحمّلونها مسؤوليّة ما آلت إليه أوضاعكم وأوضاع البلد وتتذرّعون دائمًا أبدًا باتّفاق وقف إطلاق النّار، وبأنّكم التزمتم بينما إسرائيل لم تلتزم".
واذ لفت إلى أن "إسرائيل صحيح لم تلتزم، لكن كنتم أنتم البادئين بعدم الالتزام، إذ إنّ الاتّفاق لم ينصّ فقط على وقف لإطلاق النّار، إنّما أيْضًا على فكفكة كلّ البنى العسكريّة غير الشّرعيّة في لبنان وإيداع أسلحتها لدى الجيش اللّبنانيّ وألّا تبقى قوىً مسلّحة في لبنان إلّا الشّرعيّة منها، وقد حدّدها بالإسم حصرًا هذا الاتّفاق الذي كنتم أنتم بالتّحديد وراءه"، قال: "تتناسون دائمًا، بحجج مختلفة الموجبات المترتّبة عليكم وتتلطّون بالإسرائيليّين، والإسرائيليّون بدورهم يتلطّون بكم، فيما الشّعب اللّبنانيّ محاصر في الوسط".
ورأى أنه "لدينا في الوقت الحاضر مشكلتان، لا مشكلة واحدة فقط: الأولى الاعتداءات الإسرائيليّة واحتلال بعض النّقاط في الجنوب، فيما الثّانية هي السّلاح غير الشّرعيّ في الدّاخل"، موضحاً أن "مشكلة السّلاح غير الشّرعيّ في الدّاخل تستعمل كحجّة وذريعة وتغطية للاحتلال الإسرائيليّ في الجنوب، بالوقت الذي لا يقدّم هذا السّلاح ولا يؤخّر في المعطى الإسرائيليّ، وكما أظهرته بوضوح أحداث السّنتين الأخيرتين، في حين تأخذه إسرائيل حجّةً وذريعةً مقبولةً في كلّ دول العالم لدى جميع أصدقاء لبنان، لاستمرارها في اعتداءاتها".
وسأل: "هل يكون مطلب نزع كلّ سلاح غير شرعيّ مطلبًا غير وطنيّ ويضعف موقف لبنان؟ بالإضافة إلى هذا الاعتبار العملانيّ المرحليّ، وأهمّ منه بكثير، تأتي الأسباب اللّبنانيّة الدّاخليّة الجوهريّة الكائنة وراء هذا المطلب من تطبيق اتّفاق الطّائف، وصولًا الى قيام دولة حقيقيّة. لا خلاص للبنان، بالمجالات كافة، من دون قيام دولة فعليّة، ولا دولة فعليّة بوجود سلاح غير شرعيّ خارجها. أقصر طريق لإخراج إسرائيل من الجنوب ووقْف اعتداءاتها، لا بل، وكما أصبح واضحًا الآن، لا طريق البتّة للتّخلّص من إسرائيل واعتداءاتها إلّا بقيام دولة فعليّة في لبنان. بالتالي، هل يكون مطلب نزع أيّ وكلّ سلاح غير شرعيّ وقيام الدولة الفعليّة مطلبًا غير وطنيّ؟ أم أنّه المطلب الوحيد الوطنيّ بامتياز؟".
وتابع: "تشاركون في الحكومة وتوافقون على بيانها الوزاريّ ثمّ تنقلبون عليها وترفضون حصر السّلاح عندما دقّت ساعة الحقيقة وحان الوقت لوضع هذا المبدأ موضع التّنفيذ. تتحاملون على رئيس الجمهوريّة وتهدّدون رئيس الحكومة وتتّهمونهما بالخيانة وتنفيذ أجندة أميركيّة، أنتم المنخرطون في مشروع إيرانيّ توسّعيّ مدمّر كنتم رأس حربة فيه وفي مقدّمة أدواته وأذرعه، وخدمتم أهدافه والتزمتم بأجندته غير آبهين بمصلحة لبنان واللّبنانيّين. بدل أن تستفيقوا وتهدأوا وتراجعوا حساباتكم، تراكم تندفعون إلى الأسوأ وتهدّدون بحرب أهليّة وبالويل والثّبور وعظائم الأمور إذا بدأت الحكومة، انطلاقًا من مسؤوليّاتها الوطنيّة، وتنفيذًا لاتّفاق الطّائف وعملًا بأحكام الدّستور، إذا بدأت في تنفيذ قرارها وخطّتها في حصر السّلاح بيد الدّولة ومؤسّساتها العسكريّة الأمنيّة الشّرعيّة".
واستطرد قائلاً: "لإتخاذ العبرة فحسب: قبل أسبوعين من قبول قرار وقف إطلاق النّار في الحرب العراقيّة الإيرانيّة في العام 1988، أكّد الإمام الخمينيّ على استمرار المقاومة، واصفًا أيّ تردّد في هذا المسار بالخيانة. بعدها بأسبوعين فقط، أعلن قبوله بوقف إطلاق النّار، ولو أنّ هذا القبول بالنّسبة له كان كمن يتجرّع العلقم. اليوم، أنتم في حزب الله في وضع مماثل، تعلنون التّمسّك بسلاحكم وتستعيدون خطاب الحروب، بينما الواقع على الأرض يتطلّب اتّخاذ قرارات واقعيّة وتجنّب المزيد من الانتحار. كفاكم العيش في حالة إنكار، فلا أحد منّا أكبر من التّاريخ. إفعلوا ذلك وتجرّؤوا، إنْ لم يكنْ من أجلكم، فعلى الأقلّ من أجل حاضنتكم الشّعبيّة التي آمنت بكم، وإذْ بسلاحكم هذا يجرّ عليها الويْلات. فالحصيلة كارثيّة: بلدات وقرى دمّرت عن بكرة أبيها وأصبح أبناء بيئتكم غير مرغوب بهم في معظم دول العالم ولا سيّما في الدّول العربيّة. وثمّة سؤال: هل نصرتم بسلاحكم المظلوم؟ وساندتم المحروم؟ وسلّيتم المأزوم؟ دعونا من الشّعارات وأبرزها: أقتلونا فإنّ شعبنا سيَعي أكثر فأكثر. شعبكم وعى الحقيقة وهي مؤلمة، وعى أنّ الحياة أهمّ من الموت، وأنّ الأطفال الأحياء هم الكرامة الحقيقيّة. لذا عودوا إلى لغة العقل، وتعقّلوا وشاوروا وتذكّروا كلام الإمام عليّ: من شاور الرّجال شاركها في عقولها، وأعقل النّاس من أضاف عقول النّاس على عقله".
وبكلّ صراحة وبساطة، قال جعجع لموالي "محور الممانعة": "إذا كنتم تعتقدون وتتصوّرون أنّ بإمكانكم التّهديد والوعيد والتّهويل والتّخويف فأنتم مخطئون واهمون... لا 7 أيّار من جديد ولا من يحزنون، ولا من يطوّقون السّرايا ولا غيرها. لا حرب أهليّة ولا أحد يريدها، وإذا أردتموها حربًا من طرف واحد فافعلوا، ولكن اعْلموا أنّ مشكلتكم ليست مع أيّ طائفة أو فريق أو مع أيّ حزب، مشكلتكم مع الدّولة ومع حكومتها وجيشها ومؤسّساتها وداعميها ومع أغلبيّة ساحقة من الشّعب اللّبنانيّ. لن نقبل بعد اليوم أن يتحكّم فريق بمصير الشّعب اللّبنانيّ، وليكن معلومًا أنّ أحدًا في لبنان لا يمكنه لوحده أن يحكم ويتحكّم بمصير اللّبنانيّين، وأنّ أيّ فريق مهما تكبّر وتجبّر لا يمكنه أن يهيمن على الدّولة ويصادر قرارها ويفرض قراره ومشيئته. إذا قرّرتم مواجهة الأكثريّة اللّبنانيّة وضرب عرض الحائط بمبادئ وقواعد العيش المشترك والوحدة الوطنيّة والسّلم الأهليّ، وإذا كنتم تهربون من حرب مع إسرائيل إلى حرب في الدّاخل، فأنتم ترتكبون خطأً وخطيئةً وخيمة العواقب لا تغتفر."
أضاف: "أنتم عرفتم بعد فوات الأوان أنّ حربكم مع إسرائيل خاسرة مدمّرة، وعليكم أن تعرفوا وقبل فوات الأوان أنّ حربكم في الدّاخل أيًّا تكن ستكون خاسرةً ومدمّرةً وستخسرون كلّ شيء. وإذا كنتم تتهرّبون من تسليم السّلاح وتدّعون أنّ ذلك إنْ فعلتم سيكون استسلامًا، فأنتم تهربون من الاستسلام إلى الانتحار وتنحرون البلد معكم. أدركتم بعد فوات الأوان أنّكم تورّطتم في حرب خاسرة ووقعتم في مأزق ودخلتم في نفق، ولكن عليكم أن تدركوا الآن وقبل فوات الأوان أنّ باستطاعتكم الخروج من هذه الورطة وتفادي خسائر إضافيّة ومضاعفة إذا أخذتم الخيار الصّحيح وسلكتم طريق الانتقال من الّلاشرعيّة إلى الشّرعيّة، والخطوة الأولى هي تسليم السّلاح والانضواء في مشروع الدّولة وتحت سقفها وضمن مؤسّساتها. ما أنتم فاعلون حتّى الآن، لا يطمئن وليس في الاتّجاه الصّحيح. عندما تبتدعون المبرّرات والذّرائع للتّمسّك بسلاح بات مصدر تهديد وخطر عليكم وعلينا، ولم يكن يومًا ضمانةً ومصدر حماية كما تزعمون، وعندما تدّعون أنّ هذا السّلاح مرتبط بتهديدات جديدة آتية من سوريا والحدود الشّرقيّة أو أنّه مرتبط بكرامتكم وشرفكم وأنّكم إذا سلّمتم السّلاح ضعفتم وانكشفتم وانتهيتم وانتهى الشّيعة معكم. فهذا كلّه تخيّلات وهراء وكذب وافتراء، لأن عمر الشّيعة في لبنان ضارب في التّاريخ، وعزّتهم وأمنهم وكرامتهم من عزّة لبنان وأمنه وكرامته".
وذكّر بأن "الشيعة لم يأتوا إلى لبنان معكم، ومن المؤكّد أنّهم لن يذهبوا معكم! طالما هناك لبنان، هناك شيعة فيه، إن كان بوجود هذا الحزب أو من دونه، بوجود هذا الزّعيم أو من دونه. لقد تبيّن بالوقائع والتّجربة أنّ هذا السّلاح لا يحمي ولا يبني ولا يردع، وعلى العكس من ذلك تمامًا جلب الدّمار والخراب والتّهجير واستجلب احتلالًا جديدًا. وثبُت أيضًا أنّ هذا السّلاح لا يحمي الشّيعة وإنّما يحتمي بهم ويتّخذ منهم متراسًا ولا يؤمّن مصالحهم ولا يعالج هواجسهم ومخاوفهم لا بل يغرقهم في مخاطر وحروب وجوديّة". لذا أكّد جعجع أنه "آن الأوان كي يستفيق "حزب الله" من أوهامه ويترك بيئته والشّيعة يعيشون مثل سائر اللّبنانيّين، هذه البيئة التي أعطته كلّ ما لديها، كما آن الأوان للشّيعة الأعزّاء أن يفكّوا أسرهم بيدهم وأن يعودوا إلى تاريخهم اللّبنانيّ وإلى حال الأمان والاستقرار جنبًا إلى جنب مع بقيّة اللّبنانيّين".
وبعدما استشهد بوصايا سماحة الإمام محمّد مهدي شمس الدّين: "أوصي أبنائي إخواني الشّيعة الإماميّة في كلّ وطن من أوطانهم، وفي كلّ مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وألا يميّزوا أنفسهم بأيّ تمييز خاصّ، وألا يخترعوا لأنفسهم مشروعًا خاصًّا يميّزهم عن غيرهم". كذلك قال الإمام: "على الشّيعة اللّبنانيّين أنْ يندمجوا في محيطهم الإسلاميّ اللّبنانيّ اندماجًا كاملًا (...) وفي الوقت نفسه هذا الاندماج لا يكون على قاعدة طائفيّة مذهبيّة، وإنّما يكون منسجمًا مع الاندماج في الوطن العامّ مع الشّعب اللّبنانيّ كلّه. (...) إنّ المسيحيّة في لبنان جزء مكوّن للبنان كالإسلاميّة في لبنان".
وتوجّه جعجع بكلمة صادقة من القلب والعقل إلى الإخوة الشّيعة في لبنان، قائلاً: "أنتم مكوّن أساسيّ من المكوّنات اللّبنانيّة المؤسّسة للكيان اللّبنانيّ الذي أكّد عليه الإمام موسى الصّدر وطنًا نهائيًّا، والتزمتم به كذلك في الدّستور المنبثق عن وثيقة الوفاق الوطنيّ أي اتّفاق الطّائف. لا نرضى، نحن وأكثريّة اللّبنانيّين، ولا نقبل أن يصيبكم ما أصابنا في حقبة الوصاية السّابقة بعد أن سلّمنا سلاحنا، من إجحاف وتمييز وافتئات على الحقوق والدّور والحجم، ولا تشعروا أنّكم في خطر ومهدّدون... فالأيّام اختلفت والظّروف تغيّرت، فلا غازي كنعان ولا رستم غزالة، ولا سلطة وصاية جائرة تعمل لصالح نظام الأسد ووفْق مفاهيمه، بل سلطة وطنيّة انبثقت بالفعل عن مجلس نيابيّ حقيقيّ، ساهمنا جميعًا، أنتم ونحن، في انتخاب أعضائه، وتحت أنظار حكومة كنتم أكثريّةً فيها. سلطة وطنيّة على رأسها العماد جوزيف عون، المشهود له، مذ كان قائدًا للجيش، بتعلّقه بالقوانين في ممارسة السّلطة، وحيث كان لكم يد طولى في انتخابه. سلطة وطنيّة يرأس حكومتها رئيس مشهود له، ولو اختلفتم معه بالرّأي، بالنّزاهة وبتمسّكه الشّديد بالقانون، كما تمسّكه من دون هوادة بالحرّيّات العامّة. والأهمّ من هذا كلّه، مجلس نيابيّ يتابع ويحاسب ويتدخّل عند الضّرورة. والأهمّ الأهمّ، عدم وجود أيّ نيّة عند أحد بالتّفرّد بالسّلطة، خلافًا لما كان عليه الأمر مع نظام الوصاية، وعدم قدرة لأحد بالتّفرّد بعد زوال السّلاح غير الشّرعيّ وعودة مؤسّسات الدّولة، خصوصًا الدّستوريّة منها إلى الحياة الطّبيعيّة".
وأضاف: "لا تصدّقوا أنّ السّلاح يحميكم ويحصّل حقوقكم وشرفكم، ولكم في الحرب الأخيرة دليل ساطع وواقع لا مجال لإنكاره. ولا تصدّقوا أنّ الطّوائف الأخرى تشحذ الهمم والطّاقات والغرائز للنّيل منكم. لا بل على العكس، لقد اشتقنا جميعًا إليكم شيعةً عامليّين لبنانيّين أصيلين. لا تصدّقوا ما يصوّر لكم بأنّ البحر من ورائكم والعدوّ من أمامكم وقد أصبح الخطر محدقًا بكم من الجنوب الشّرق فأين المفرّ؟ المفرّ الفعليّ هو الطّريق إلى الدّولة. ثقوا أنّ الدّولة التي هي لنا ولكم وحدها هي التي تحميكم وتشعركم بالأمن والأمان وهي الملاذ والضّمانة. ولكم خير وأكبر مثال على ذلك عقدان من الزّمن بين الأعوام 1949 وحتّى 1969 عشتموها بأمان وسلام إلى أن ظهرت المقاومات المسلّحة في الجنوب وفتحت عليكم أبواب جهنّم ولم تقفل حتّى السّاعة. ثقوا أنّ أيّ خيار ومشروع خارج الدّولة سيكون خطرًا عليكم، وتهديدًا لكم، ويجعلكم لقمةً سائغة في فم التّنين وفم الأمم والمصالح الخارجيّة. لقد آن الأوان كي تَخرِجوا وتُخرِجوا تاريخكم الوطنيّ النّاصع مثل جبل عامل وأنْ ترسموا خطّ النّهاية لحاضركم الحافل بالخيبات والنّكسات، ودائرة الارتباطات والمشاريع الإقليميّة واستخدام أوراقًا للتّفاوض أو لتصفية الحسابات".
وتابع: "ننتظركم مثل سائر اللّبنانيّين لننطلق سويًّا في مشروع الإنقاذ، في مشروع النّهوض والإصلاح، لنبني معًا دولةً فعليّةً ذات سيادة وسلطة مطلقة، دولةً عصريّةً حديثةً تتمتّع بالثّقة والاستقرار والإنتاجيّة. لا تنخدعوا بمن يحدّثكم عن ضمانات، أنتم الضّمانة كما كلّ مكوّنات لبنان ضمانة لبعضها البعض. ولا تخافوا من التّهويل عليكم بأنّكم عرضة لهجوم محتمل من الحدود الشّرقيّة، إذْ لا أحد قادر على استهدافكم، فالجيش في ظل الدولة الحالية يحمي الحدود ويمنع أيّ اعتداء كما حصل مع الجيش في الأشهر الماضية، كما فعل مرارا في الأشهر الماضية، وإذا احتاج الأمر فإنّ جميع اللّبنانيّين يد واحدة لندافع عن أيّ شبر من تراب لبنان، وهذا ما قام به أهلنا في القاع يوم طرق الإرهاب بابهم في العام 2016 فعاد على أعقابه بعدما تكبّد خسائر كبيرة. ننتظركم لتعود مواسم الخير إلى الجنوب والبقاع وكلّ بقعة من لبنان، ولتكون مهرجانات الفرح والثّقافة والإبداع في النّبطيّة وبنت جبيـل كما هي في الأرز وجبيل. ننتظركم لتعود البيوت المدمّرة إلى أصحابها، ولترتفع مداميكها تحت أنظار الجيش اللّبنانيّ وحمايته. إنّ كلّ يوم يمرّ من دون تسليم السّلاح يطيل من معاناتكم ويبعدكم أكثر فأكثر عن بيوتكم وأرزاقكم. إنّ كلّ يوم يمرّ يؤخّرنا أشهرًا وحتّى سنوات عن إعادة البناء والنّهوض، ويمدّد انتظارنا الثّقيل لعودة لبنان إلى ذاته، للانطلاق بمسيرة الإصلاح الجذريّ، لبداية الانتظام الماليّ، والمباشرة الجديّة بالتّنقيب عن النّفط والغاز وعودة الازدهار إلى لبنان".
وآثر جعجع، في هذه المناسبة، توجيه رسالة الى شابّات لبنان وشبابه، استهلّها بالقول: "خمسة وثلاثون عامًا أضاعوها عليكم، وقد حان الوقت لتعويضها. ألعديد منكم تركوا الوطن في العقود الأخيرة، بعضهم لأسباب اقتصاديّة، لكنّ البعض الآخر لأنّه لم يعد يشبه الوطن الذي عرفه أهلهم، أو سمعوا هم عنه: فهو لم يعد لبنان التّاريخ. فبدل وطن النّور والعلم والثّقافة والحضارة والتّقدّم والازدهار، تحوّل أرضًا ظلاميّةً تسودها شريعة الغاب والفساد وثقافة الموت والسّلاح والاغتيالات، تحوّل أرضًا تقلّصت فيها مساحة الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان إلى أضيق رقعة عرفها لبنان في تاريخه الحديث. أمّا الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة فحدّث ولا حرج في ظلّ سلطة الوصاية وبعدها سلطة الممانعة التي نهبت الدّولة والمجتمع."
وقارن جعجع بين دولة الأمس واليوم، مشيراً الى أن "الدّولة اللّبنانيّة التي كانت في حال نزاع وموت بطيء عادت إلى الحياة، هذه الدّولة التي كانت إلى زوال مقيّدةً، مسلوبة القرار، فاقدةً لكلّ ثقة ومصداقيّة، انتفضت وشرعت في إعادة بنـاء المؤسّسات الشّرعيّة الحرّة المتحرّرة، بناء علاقة الثّقة مع شعبها وناسها، بنـاء جسور العلاقات مع العالم العربيّ والمجتمع الدّوليّ، إذ إن لبنان بدأ يعود إلى نفسه ومحيطه ودوره ورسالته، ومع السّلطة اللّبنانيّة الجديدة، بدأت مرحلة جديدة وحاسمة في تاريخنا وانطلقت مسيرة تغيير وورشة نهوض وعمليّة بنـاء دولة فعليّة: دولة القانون والمؤسّسات".
وأكد "أننا إنطلقنا نحو المستقبل المشرق الواعد ولا عودة إلى الماضي المظلم والظّالم. هذه مسيرة بدأت ولن تتوقّف، تتقدّم إلى الأمام ولا رجعة فيها إلى الوراء، فلا يعتقدنّ أحد أو يتوهّمنّ أن بإمكانه وقف وعرقلة مسيرة التّاريخ وإعادة عقارب السّاعة إلى الوراء وتجاهل التّغييرات والقفز فوقها والاستمرار في سياسات وأساليب فاشلة ومدمّرة وكأنّ شيئًا لم يكن ولم يتغيّر. كلّ ما حولنا وفي محيطنا تغيّر وتبدّل، وكلّ المعادلات عندنا تتغيّر وتتبدّل ومن غير الجائز ولا المسموح بعد كلّ ما حصل أنْ تبقى السّياسات والقرارات والأساليب والذّهنيّات نفسها. خطوة الألف ميل انطلقت، والتّغيير الذي بدأ في قمّة السّلطة سيتواصل وبقدر أكبر من العزم والحزم. إنّ دولةً جديدةً بدأت تبصر النّور. الطّريق لن تكون سهلةً، والخطوات تستغرق وقتًا، لكنّها الخطوات المطلوبة تحديدا، وفي الاتجاه الصحيح تمامًا. إنّ لبنان جديدًا هو على طريق التّكوين. هذا رهان علينا جميعًا أن نساهم فيه لنصل إلى هذا اللّبنان الجديد. ولحسن الصدف ومع هذا اللّبنان الجديد الذي بدأ يتكوّن، فإنّ سوريا جديدةً قد بدأت تتكوّن أيضًا. إذ شاءت الظروف أن تطوى حقبة الأسدين، وتبدأ سوريا صفحةً جديدةً بعد نزاع دمويّ ومرارة كبيرة عاشها الشّعب السّوريّ. ونأمل، مع الانطلاقة الجديدة في لبنان وسوريا، أن نطوي معًا صفحة النّزاع التّاريخيّ الذي حوّل العلاقة بين البلدين إلى مصدر دائم للقلق وعدم الثّقة. فلا مجال بعد اليوم للعودة إلى زمن الوصاية أو التّدخّل، وكما صرّح تحديداً مرّات عدّةً رئيس سوريا الجديد أحمد الشّرع، بل المطلوب إرساء علاقة جديدة من دولة إلى دولة، تقوم على النّدّيّة والاحترام المتبادل، بعيدًا من أيّ شكل من أشكال التّدخّل في الشّؤون الدّاخليّة".
ورأى "من هذا المنطلق، وجوب التّخلّص، وسريعًا، من مخلّفات نظام الأسد والمرحلة الماضية في لبنان، وفي طليعتها إلغـاء معاهدة الأخوّة والتّعاون والتّنسيق التي لم يكن فيها لا أخوّة ولا تعاون ولا تنسيق وكانت فرضت على لبنان، كما وإلغاء المجلس الأعلى اللّبنانيّ – السّوريّ، على أن يصار إلى تفعيل العلاقات الدّبلوماسيّة بين البلدين وفق ما هو متعارف عليه بين دول العالم. إنّ سوريا اليوم، وقد تخلّصت من نظام الأسد الاستبداديّ الذي أدّى إلى نزوح قسم كبير من شعبها إلى الدّول المجاورة وخصوصا لبنان، مدعوّة إلى أن تعمل لاستعادة أبنائها إلى كنفها معزّزين مكرّمين على أرضهم وتراب وطنهم. ومن الخطوات التي تعزّز الأجواء الإيجابيّة بين البلدين، بدء العمل على ترسيم الحدود البرّيّة والبحريّة بينهما، مع ما يعنيه من ضبط للحدود، وقيام تعاون بين الجيشين اللّبنانيّ والسّوريّ لمنع أعمـال التّهريب على مختلف أنواعه، ودحر الإرهاب على جانبي الحدود، بهذا ترتسم أكثر فأكثر معالم لبنان الجديد الذي طالما حلمتم به. وفي هذه المناسبة، أدعو الأمانة العامّة لجامعة الدّول العربيّة الى التّفكير جدّيًّا بعقد قمّة عربيّة في بيروت على غرار قمّة 2002، كي يكتمل عقد عودة لبنان إلى محيطه العربيّ، وعودة العرب إلى لبنان".
وخاطب جعجع الشّابّات والشّبّان اللّبنانيّين، قائلاً: "إذا كنتم قد تركتم وطنكم لبنان لأنّكم لم تعودوا تعرفونه، فإنّ لبنان الجديد تعرفونه جيّدًا ويعرفكم تمامًا، وسيكون على قدر تطلّعاتكم وطموحاتكم. فلا تتأخّروا وأعدّوا العدّة منذ اليوم للعودة إلى أحضانه، إلى أحضان أمّهاتكم وآبائكم وأقاربكم وأصدقائكم وأهلكم ووطنكم، لبنان الجديد بأمسّ الحاجة إليكم. إنّ الأوطان تصنع ولا تؤخذ، تُبنى ولا تُشترى، فتعالوا نستعيده سويًّا ونعيد بنـاءه سويًّا، خصوصًا مع الاستحقاقات الدّستوريّة الآتية. فبعد استعادة رئاسة الجمهوريّة من براثن الفراغ والإفراغ، وبعد قيام حكومة القرار والسّيادة، نحن على موعد مع استحقاق دستوريّ هو الأهمّ، ومحطّة سياسيّة وشعبيّة فعليّة أي الانتخابات النّيابيّة في العام المقبل، إنها محطة كي يُمثّل الشّعب اللّبنانيّ خير تمثيل بمجلس ينسجم مع متطلّباته وطموحاته المستقبليّة. لذلك نحن نتمسّك بإجراء الانتخابات في موعدها ونرفض أيّ تفكير أو توجّه إلى التّمديد للمجلس النّيابيّ تحت أيّ ظرف أو ذريعة. زمن التّمديد ولّى إلى غير رجعة، فالتّمديد كان من سمات العصر البائد وعلاماته، عصر الهيمنة والوصاية، سنقاوم بشدّة أيّ محاولة لوقف مسيرة التّغيير عند أبواب المجلس النّيابيّ وتمديد الواقع الرّاهن. ونحن نتمسّك، بإجراء انتخابات ناجحة وتوفير أفضل الشّروط والظّروف لها وأوّلها إعطاء المغتربين حقوقهم في التّعبير والتّصويت للنّوّاب الـ128، مثلهم مثل اللّبنانيّين المقيمين. فلا يجوز أن يحرم الّذين اضطرّوا إلى مغادرة لبنان قسرًا ودفعتهم إلى ذلك الدّولة الفاشلة وظروف الحرب والبطالة، أن يُحرموا من أبسط حقوقهم المواطنيّة وأنْ يوضعوا على الهامش وخارج وطنهم".
وإذ أكد أننا "نريد مجلسًا نيابيًّا حرًّا وسلطةً تشريعيّةً متحرّرةً تواكب النّهضة التي يشهدها لبنان، فالانتخابات المقبلة هي الامتحان والتّحدّي والاستحقاق، ولتكن موعدًا حاسمًا مع التّغيير وحسن الاختيار لمن ينسجم مع المرحلة الجديدة وتحوّلاتها ومتطلّباتها ولمن هو أهـل للثّقة وتمثيل اللّبنانيّين وأخذهم إلى آفاق مستقبليّة"، لفت "رئيس القوات" الى أننا "إذا كنّا قد أحدثنا فرقًا ملحوظًا مع المجلس النّيابيّ الحاليّ، فإنّنا سنكمل ما بدأْناه مع المجلس المقبل، وسنُحدث الفرق الكبير والتّحوّل الحاسم، مُدركين أنّ الوسائل الدّيمقْراطيّة والسّياسيّة هي أقصر الطّرق وأكثرها فعّاليّةً وأقلّها كلفةً للتّغيير باتّجاه الأفضل، وأنّ ما يُمكن تحقيقه بواسطة صناديق الاقْتراع لا يمكن تحقيقه بواسطة صناديق السّلاح والذّخيرة".
وختم رسالته الى الشباب قائلاً: "صوتكم سلاحكم، فلا تفرّطوا به لا لمصلحة صديق أو قريب أو مقدّمي خدمات وليكن في الانتخابات الآتية صوتًا مدوّيًا، حاسمًا، ناطقًا باسم الحقّ والحقيقة، وهادفًا إلى التّغْيير والوصول إلى الدّولة الفعليّة".
وإلى اللبنانيين توجه بالقول: "ما تقولوا طوّل هاللّيل، قـولوا بكرا جايي نهار لصديقنا الشّاعر طلال حيدر، وفعلًا طالع علينا نهار جديد، وفي المناسبة أوجّه التحية للشاعر نزار فرنسيس الذي يواكبنا في كل اناشيد المقاومة اللبنانية. آن الأوان وبدأت الهيبة تعود للدّستور والقوانين، وبدأت الرّهبة تعود للجيش والقوى الأمنيّة، والاحترام والشّفافيّة للإدارة العامّة. طبعًا ألمقدّمة لهذا كلّه هي عودة السّلاح، كلّ السّلاح، حصرًا للدّولة اللّبنانيّة، وبالتّالي عودة الدّولة إلى ذاتها. آن الأوان ليعود اللّبنانيّون متساوين أحرارًا، وحان الوقت ليحصل اللّبنانيّ على حقوقه بقدر ما يلتزم بواجباته، فلا يدفع ضريبةً من هنا، لتذهب هدْراً وفساداً أو دعماً من هناك، كذلك لا يتعب ويشقى ليسدّد رسوماً يتمّ تحويلها لخدمة من لا يسدّد لا رسوماً ولا ضرائب. لذا كما نجْرؤ حيثما ينادي الحقّ، على أهل الدولة أن يجرؤوا حيثما تنادي السيادة والدولة الفعلية. إن دول العالم قاطبةً، عربيةً وأجنبيّة، ومن المرّات النادرة جداً في تاريخنا الحديث، ملتفّة حول لبنان ومستعدة لمساعدته هذه المرّة، فلا نضيّعنّ الفرصة من جديد، ولْنتحمّل مسؤوليّاتنا كرجال دولة لتكون لنا دولة فعليّة وأصدقاء فعليون".
وختم جعجع متوجهاً الى شهداء "المقاومة اللبنانية": "إنّي أشعر بحضور طاغٍ أكثر لكم هذا العام، يفوق بكثير هذا الحضور الدائم في كلّ يوم من مسيرتنا. لذا لكم اتوجّه اليوم: ناموا قريري العين، لأنّنا في أكثر الظّروف صعوبةً وأكثر الأيّام سوءًا وفي أكثر التّجارب قسوةً، لم نـلن لحظةً، ولم يرفّ لنا جفن ولا سايرنا ولا استكنّا، فكيف بالحريّ الآن مع بداية مرحلة جديدة أقلّ قساوة وصعوبةً ومرارة مع المراحل السّابقة. ناموا قريري العين لأنّنا في النّضال مستمرّون، فنهر الحياة بالنّسبة لنا دافق هادر دومًا أبدًا. وبعد كلّ محطّة هناك محطّة، وإن كُنّا اليوم قد وصلنا إلى المحطّة التي نحن فيها، فقبْل أن نبلغها حتّى، أصبحت عيوننا شاخصةً إلى المحطّة التي ستلي. فكما الحياة مستمرّة، كذلك المواجهة مستمرّة ايضاً، وسنجرؤ دائمًا أبدًا، ليبقى لبنان إلى أبد الآبدين آمين".
ورشا
وترأس القداس المطران ورشا الذي عاونه لفيف من المطارنة والكهنة. وألقى في المناسبة عظة قال فيها: "كلّفني فشرّفني صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلِي الطوبى أن أمثّله في هذه الذكرى السنوية، وأن أحتفل بالذبيحة الإلهية لراحة نفس شهداء القوات اللبنانية وجميع الشهداء الذين أهرقوا دماءهم ليسقوا تراب وطننا لبنان الحبيب لكي يجعلوه حرًّا سيّدًا، مخلَّصًا من أيادي المغرضين والمصطادين في الماء العكر، سواء من الخارج أم من الداخل. أيّتها القوّات اللبنانية، لقد اتّخذتُم عنوانًا قيّمًا لهذا القداس ألا وهو نجرؤ ليبقى لبنان".
وأضاف: "الجرأة إنّما هي قيمة مسيحية بامتياز، وهي من صفات الرجالات الجبابرة؛ عاشها المسيحيون عبر العصور ابتداءً بالمسيح مخلّص العالم، الذي ملأت الجرأة حياته أقوالًا وأعمالًا ومواقف، فتكلّلت بالاستشهاد على خشبة الصليب. ثمّ عاشها المسيحيون الأوّلون تباعًا بحيث رفضوا أن يتركوا اعتناقهم المسيحية ونكرانهم لها فاستشهدوا بطرق مختلفة على يد المضطهدين في انطلاقة حياة الكنيسة الأولى: منهم من رموهم للأسود فنهشوهم، ومنهم من ألقوهم في الزيت المغلي ومنهم صُلبوا أو قُطعت رؤوسهم ...وهل ضاعت تلك الجرأة بآلام الاستشهاد والصليب فصلبت وسُلبت؟ لا إنّما انتصرت بحدث قيامة الرب يسوع المسيح من بين الأموات وأعطت الانتصار لكلّ مَن يعيشُها من أجل قضيّة سامية تلبّي إرادة الله. أين تكمنُ تلك الجرأة في حياة يسوع؟ وكيف تجلّت؟ وما هي الأقوال والأعمال والمواقف التي اتّخذها وهي تنمّ عن الجرأة المعهودة؟ جرأة في إعلان الحقّ والحقيقة: صرخ يسوع بوجه الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل ويفرّطون بقدسيّته معلنًا بجرأة: "بيتي بيتُ صلاة وأنتم جعلتموه مغارة للصوص" (متى ١٣/٢١)".
وتابع: "وكأنّي به يقول اليوم لكلّ مَن يفرّط ببنية لبنان وشرائحه ومكوّناته، ونحن نقول معه ونصرخُ عاليًا: لبنان بيتُ كلّ مواطن وأعداؤه يتلاعبون بجمال طوائفه وغنى تعدّديته. لبنان أرض صلاة وقداسة وحرّية وكرامة وسيادة وتعايش والمغرضون مع مَن يتواطأون معهم من الخارج أم من الداخل جعلوه مسرحًا لتنفيذ أجندات خارجية تكاد تضرب ثوابته بعرض الحائط. لبنان بلدُ السياحة والجمال والاقتصاد والتجارة فيما أعداؤه يخطّطون من دون توقّف لزجه بالفوضى والفلتان الأمني والفقر والقبح والفساد. كما وأنّ جرأة يسوع ظهرت في الكثير ممّا كان يقوم به وهو يتناقض في بعض الأحيان مع ما كان مألوفًا كمثل شفائه رجلًا يدُه يابسة يوم السبت، (متى ١٣-٩/١٢) ومن خلال أقواله: "قيل لكم... أما أنا فأقول" (متى ٤٣-٣٨/٥). لا شكّ في أنّه ما جاء لينقض بل ليكمّل ولكن في الوقت عينه أثار الجدل والنقاش فيما بين الذين كانوا له دائمًا بالمرصاد، وكان جريئًا في مواقف وأعمال كي يغيّر وينتفض ويثور على واقع لا يتناغم مع مشروعه الذي هو بناء الملكوت وتحقيق إرادة الآب الذي أرسله. قال الرب يسوع أيضًا في إنجيل يوحنا: "أنا والأب واحد"، فانتقده البعض إذ قالوا مَن هو حتى يساوي نفسه بالله فأخذوا حجارة ليرجموه (يوحنا ٣١-٣٠/١٠). وفي مكان آخر، في موضوع بنوّته للآب قالوا: "أليس هذا ابنَ يوسف النجار؟" (متى ٥٥/١٣) لقد كلّفته جرأته أيضًا أن يكون شهيدًا حيًّا بسبب انتقاداتهم اللاذعة، إذ قالوا فيه إنه يُخرج الشياطين باسم الشياطين الذين فيه (متى ٣٤/٩). وكلّ ذلك لم يثنهِ عن متابعة تحقيق مشروعه ولم يخطف جرأته فكانت ذروته الاستشهاد على الصليب، بحيث كان مصيرُه على الأرض أن صُلب بين لصَّين".
وأردف: "إنّ تعلّقه الحازم والجريء بقضيّته أي ببناء ملكوت الآب وتتميم الأعمال الخلاصية وتمسّكه بها، إذ هي الحقيقة المطلقة التي من أجلها تجمّد وزار أرضنا، ظلّ ثابتًا فيها ولم يتراجع عن السَّير في بنائها. أجل إن جرأته المتحرّرة والتي ما عرفت يومًا المساومة قادته إلى أكثر من ذلك فتكلّلت بالمسامير وإكليل الشوك وسفك الدّماء على خشبة الصليب. وهكذا إنّ شهداء القوات اللبنانية وغيرهم من الشهداء، لأنهم جريئون، تمسّكوا بحقيقة لبنان المتألقة، بجمال بنيته، وشرف تاريخه، رافضين أن يساوموا على شبر واحد من أرضه، فاستشهدوا من أجلها وانضموا إلى قافلة كثيرين من الشهداء الذين أهرقوا دماءهم من أجل إنقاذ لبنان. أمام هذه الدماء المسفوكة، عارّ على جبيننا جميعًا، بكلّ مكوّنات وطننا، وبكلّ اطيافه وأحزابه وانتماءاته أن نسترسل في المشادّات والشتائم والانتقادات والانقسامات والعودة إلى جروحات الماضي، ونضيّع القضية التي من أجلها وُجدنا. تعالوا ننحني أمام كلّ نقطة دم هُدرت بُغية بقاء لبنان. فلننقّ الذاكرة ولنعمل على تطهير الذهنيات، وذلك يتطلّب جرأة قويّة متعالين عن كلّ ما يلهينا عن الجوهر ألا وهو خلاص لبنان بعد نصف قرن من جلجلة الصليب".
وقال ورشا: "هلمّوا نرصّ صفوفنا ونوحّد قوانا ونقف سدًّا منيعًا في وجه سياسة "فرِّق تسد". فالجرأة تقتضي الوقوف في وجه التحديات وتخطّي العواصف ومواجهة الأزمات من دون مساومة. إنّ الجرأة تتطلّب الانفتاح على الآخر المختلف بروح التواضع والحوار البنّاء بعيدًا عن التقوقع والانغلاق. يا أيها المشاركون ويا جميع ذوي الإرادات الصالحة والعاملين من أجل الخير العام، قال البابا بولس السادس: "جميعنا مسؤولون عن جميعنا". فلا يحقّ لأحد لأيّ مكوِّن من مكونات المجتمع اللبناني أن يتغاضى عن المسؤولية في حقبة تاريخية مفصلية من تاريخ لبنان تستوجب وقفة ضمير جماعية قبل أن يفوت الأوان وعندها الندامة".
واعتبر أن "الجرأة تشترط الحرية والمثابرة والثبات، وهي كشجرة شامخة، كلما نمت تزداد جذورها تعلّقًا في الأرض. ونحن اللبنانيون علينا أن نكون كتلك الشجرة ننمو ونزداد تعلّقًا بأرضنا ولا نلوي مع كلّ عاصفة لنهرب أو ننكسر. نحن أبناء الرجاء! بعد النفق المظلم ينبلج النور وبعد الشّدّة يأتي الفرج ويعمّ الازدهار! فمن رحم الخضّات والأزمات تولدُ من جديد حياة لبنان". لذا رأى أنه "من اجل هذه الولادة، بعد طول معاناة وحروب عبثية وارتهان وفساد وانتهاك لحقوق الإنسان، مدوا بجرأة أيادي التعاون لجميع مكوّنات الوطن من أجل تحقيق أهداف جوهرية أختصرها بسبع نقاط:
١. لا تتوانوا عن قول الحقيقة في وجه كلّ من يحرّفها أو يضلّلها. وحدها الحقيقة تحرّر وتخلّص. قال البابا بندكتوس السادس عشر: إن الحقيقة هي قوّة السلام.
٢. لا تتهاونوا مع مَن يتلاعبون بديموغرافية الوطن فيكاد يطغى عدد النازحين واللاجئين على أبنائه الأصيلين، والذين هم بدورهم يغادرون البلاد بحثًا عن الكرامة والعيش الكريم، أو هم على أبواب السفارات ينتظرون تأشيراتهم للمغادرة.
٣. لا تسكتوا عن المشاريع التي تبغي الخير العام للبلاد، الإنمائية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وهي مميّعة مدفونة من دون أن تبصر النور. إعملوا جميعًا من أجل استنهاض مؤسسات الدولة فتخرج من شللها وتعود إلى مجراها الطبيعي.
٤. لا تكفّوا عن المطالبة بتبيان الحقيقة وبسط العدالة في كلّ الملفّات العالقة في القضاء، نتيجة إهمال أو ضغوطات، أو مصالح... فالجرأة تقتضي الوقوف إلى جانب المظلومين الذين انتُهكت حقوقهم، والذين حُجبت عنهم عدالة الأرض.
٥. واصلوا نهج الجرأة التي عشتموها ودفعتم كما غيرُكم ثمنها الكثير الكثير، فالأوطان لا تُبنى بالمساومة والوهن والتضليل بل بالحقيقة والقوة والصمود.
٦. ضعوا نصب عيونكم مع كل مكونات المجتمع اللبناني مشروع بناء الدولة: دولة المؤسسات الحيّة، دولة القانون والعدالة والشفافية والمحاسبة، دولة كرامة المواطن وإنمائه على كافة المستويات، دولة الحقوق والواجبات، دولة هدفها الخير العام من دون إقصاء ولا تهميش؛ دولة تخلق مناخًا لكل مواطن كي يحقق ذاته ويعيش بأمن وأمان.
٧. فلتكن الجرأة عنواننا جميعًا نحن اللبنانيين فنتّحد ولو لمرّة واحدة لإخراج البلد من كبوته".
وختم: "يا مريم، في عشيّة عيد مولدك، نكل إليك لبناننا المعذّب، أطلبي من ابنك يسوع أن تبقى عيناه ساهرتين عليه وعلى شعبه. إشفعي به لديه وقولي له لقد تعب وهو يسأله أن يبعث فيه الرجاء ولأجياله الطالعة عساهم يعيشون عيشًا حلوًا حرًّا كريمًا".
وخدمت القداس فرقة "وتر" بقيادة المايسترو فادي نحاس، فيما قرأ الرسالة رئيس بلدية زحلة – المعلّقة- تعنايل سليم غزالة، وألقت جويل فضول نية عن الكنيسة، ديامان سركيس شقيقة الشهيد سليمان سركيس نية عن الشهداء، فادي أبو جوده نية عن "القوات" وشاديا ساسين نية عن لبنان.
وأشرف على الاحتفال الأمانة العامة للحزب وجهاز الشهداء والمصابين والأسرى ومكتب البروتوكول ولجنة الأنشطة وشركة ICE وأخرجه مارون أبي راشد.
وكان الاحتفال قد استهل باستعراض لكشافة الحريّة على وقع أغنية "عليّة"، وعند انتهاء القدّاس وبعد قرع الأجراس بشكل مكثّف، اقيمت مشهدية رمزية مؤثّرة عبّرت عن روح الشهادة والوفاء. اذ دخل عناصر من الكشافة حاملين مشاعل غير مضاءة، وسط الدخان الأبيض الذي غمر المسرح، رمزًا للنقاء والخلود. وظهر بعدها شخص مرتديًا الزيّ العسكري لـ "القوات اللبنانية"، يرمز إلى الشهيد، حاملاً مشعلاً مضاءً على وقع أنغام أغنية Across the Mountains يرافقها تعليق صوتي للشاعر نزار فرنسيس بكلمات نشيد القداس الجديد. ثم يتقدّم نحو إكليل الشهداء الموضوع على درج المسرح، يركع أمامه، ثم يعيد إضاءة مشاعل الكشافة بلهيب مشعله، في دلالة على أنّ روح الشهيد تُعيد إحياء العزم في الأجيال الصاعدة. بعد ذلك، يتوجّه نحو نصب الشهداء في الساحة، ترافقه الكشافة ليُسلّم الشعلة إلى أحد عناصرها الذي يقدّمها بدوره إلى رئيس الحزب لاحقًا. وتهدف هذه المشهدية إلى تكريس معاني التضحية والشرف والإيمان بقضية الوطن، مؤكدة أن دماء الشهداء ستبقى منارةً تهدي الأجيال نحو الإيمان بلبنان.
وعلى وقع الأغنية الجديدة للقداس بعنوان "وبقينا متلن قوّات"، من كلمات نزار فرنسيس وألحان ميشال فاضل، استكملت المشهدية مع رئيس الحزب الذي توجه الى نصب الشهداء، واضعا الشعلة في "لحظة وفاء وإجلال لتضحياتهم".
انضم إلى قناتنا على يوتيوب مجاناً اضغط هنا